إيران تستثمر في الطاقة المتجدّدة لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء
على الرغم من غناها الهيدروكربوني فإن إيران، التي تتمتع بتضاريس مواتية لطاقة الشمس وطاقة الرياح، تسعى الآن إلى الإفادة من المصادر المُتجدّدة لتحسين أمن الطاقة لديها، والحد من الإعتماد على النفط والغاز، وتلبية النمو المتوقَّع في الطلب على الكهرباء.
طهران – هشام الجعفري
إيران التي تتفاخر بأنها تملك رابع أكبر إحتياط نفطي، وتتباهى بأنها ثاني أكبر مورّد للغاز الطبيعي … في العالم، هي من دون شك بلد عالمي للهيدروكربونات بإمتياز. ومع ذلك، فقد أظهر صنّاع القرار في طهران إهتماماً كبيراً بالطاقة المُتجددة لتحسين أمن الطاقة في بلادهم، والحدّ من الإعتماد على المواد الهيدروكربونية الداخلية، وتلبية النمو المُتوقَّع في الطلب على الكهرباء. إن تحقيق هذه الأهداف ليس فقط فرضية واقعية ومرغوباً فيها، لكنها مُحتمَلة جداً للحكومة الإيرانية لأن البلاد الفارسية تتمتع بتضاريس مواتية ومفيدة لمصادر الطاقة المتجدّدة. وإذ تفتخر الجمهورية الإسلامية بسكانها الشباب المثقَّفين والمتعلّمين، فلديها الآن قناة مفتوحة نسبياً للحصول على التكنولوجيا اللازمة والمساعدة على تمويل المشاريع المتجدّدة بعد رفع العقوبات.
الواقع أن جاذبية إمكانات إيران في مجال الطاقة المتجددة لم تذهب من دون ملاحظة. في أوائل العام 2014، بدأت شركات إلمانية، وكورية جنوبية، ودانماركية وهندية دراسة إمكانات صناعة الطاقة المتجددة في البلاد كفرصة إستثمارية طويلة الأجل. وقد جاء رد فعل المسؤولين الايرانيين متحمّساً وإيجابياً من الفضول الغربي حيث عمدوا إلى الحدّ من البيروقراطية في قطاع الطاقة لديهم، وتبسيط عملية الترخيص للشركات الأجنبية، وتقديم حوافز تنافسية لمطوِّري البنية التحتية ومورّدي المعدات في قطاع الطاقة المتجدّدة. على سبيل المثال، قدّمت منظمة الطاقة المتجدّدة الإيرانية (سونا) سياسة تعرِفة جديدة مُعادِلة لتلك الألمانية، وضماناً لمشتريات حكومية للطاقة لمدة 20 عاماً، وتخفيض الضريبة 15 في المئة تُمنَح إلى الشركات التي تستخدم مكوّنات محلية.
وتُقدِّر شركة توليد ونقل وتوزيع وإدارة الطاقة الإيرانية (تافانير) الآن بأن الطاقة المتجددة سوف تولّد نحو 10 في المئة من إحتياجات إنتاج الكهرباء في إيران في غضون خمس سنوات. وخطة التنمية السادسة الإيرانية، وهي سياسة النمو التي أعلنتها الحكومة لمدة خمس سنوات، تتضمَّن شرطاً يفيد بأنه يجب أن تنمو قدرات الطاقة المتجدّدة في البلاد 5000 ميغاواط بحلول العام 2018. وحتى وقت قريب، كانت العقوبات الإقتصادية تجعل السعي إلى تحقيق مثل هذا الهدف الطموح صعباً جداً، إن لم يكن مستحيلاً. ومع ذلك، بفضل إلغاء ورفع القيود الرئيسية على التمويل المحلي والأجنبي، فإن الأهداف الإستثمارية المُقدَّرة ب10 مليارات دولار بحلول العام 2018، و60 مليار دولار بحلول العام 2025، تبدو الآن ممكنة.
لتحقيق هذا الطلب المتزايد على توليد الطاقة المتجددة، فقد كشفت إيران عن خطط لمواصلة تطوير مصادرها غير التقليدية التي تشمل زيادة القدرة الشمسية وطاقة الرياح في موازاة إدماجهما في شبكتها الكهربائية؛ بالإضافة إلى تشجيع التنمية الجديدة لمزيد من مصادر الطاقة المتجددة التقليدية مثل الطاقة النووية والطاقة الحرارية الأرضية. وتواجه الشركات الإيرانية وشركاؤها عقبات رئيسية مثل شيخوخة البنية التحتية أو تخلّفها، وعدم تكامل موارد الطاقة المتجددة مع الشبكة، وقلة الخبرة في بعض التقنيات المتخصصة في مجال الطاقة المتجددة.
على الرغم من هذه التحديات، فإن هناك سبباً وجيهاً للإعتقاد بأن الشركات الإيرانية، بالتنسيق مع شركاء أجانب، ستنجح وتسود. وقد وقّعت طهران بالفعل سلسلة من الإتفاقات مع شركاء أجانب لتسهيل تطوير بنية تحتية جديدة ومرافق لإنتاج المعدات في وقت لاحق هذا العام.
مزيج الطاقة البسيط في إيران
تهيمن الهيدروكربونات على مزيج الطاقة الإيراني. إن مشتقات البترول والغاز الطبيعي مثل البنزين والمازوت تغذّي محطات الطاقة الحرارية التقليدية التي تلبي نحو 98 في المئة من الطلب الإيراني الكلي على الطاقة. أما الإثنان في المئة المتبقيان فيأتيان من مزيج الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية والوقود الحيوي ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى.
إن الإعتماد الكبير على مصادر الوقود الأحفوري هو مشكلة لعدد من الأسباب. أحدها، أن ثروة إيران من الهيدروكربونات قادت الحكومة إلى دعم الوقود بشكل كبير لإستهلاك الطاقة الفردي. بحوالي 32 سنتاً لليتر الواحد، فإن سعر البنزين هو قريب من سعر زجاجة المياه المعدنية في الجمهورية الإسلامية، وبحوالي 4.5 سنتات لكل كيلوواط من الكهرباء، فإن المواطنين الإيرانيين يدفعون أقل بكثير من المتوسط العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، تنفق طهران 30 مليار دولار سنوياً على تغذية البنية التحتية لمصنع طاقتها الحرارية. فهي تفقد نسبة ذات مغزى من هذا المبلغ (30 مليار دولار) سنوياً بسبب قِدَم وعدم فعالية البنية التحتية للنقل والتوزيع. وفقاً لعلي مير محمد، وهو مستشار بارز في شركة الإستشارات الأوسترالية “فروست أند سوليفان”، فإن الطلب على الكهرباء ينمو بنحو 6.5 في المئة سنوياً. وهذا المعدل هو حالياً أسرع ب3.5 في المئة على الأقل من نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد؛ ويؤكّد هذا الرقم على أن إيران لا يمكنها المحافظة بشكل معقول ومستدام على إستخدام الهيدروكربونات لتوليد الكهرباء على الصعيد الوطني.
ستعرف إيران فائدتين رئيسيتين من خلال الإنتقال إلى مزيج من الطاقة أكثر تنوعاً. أولاً، إن إنخفاض الطلب المحلي على الوقود الأحفوري سيسفر عن زيادة القدرة التنافسية في أسواق الطاقة العالمية. بعبارة أخرى، إن إنخفاض الطلب المحلي سيسمح لإيران تصدير كمية أكثر من إحتياطاتها الضخمة من النفط والغاز الطبيعي إلى دول عميلة في الخارج. ثانياً، إن الحدّ من إستخدام الوقود المحلي سيسمح للحكومة تخفيف دعمها المُكلف مع القيام في الوقت عينه بتلبية الطلب على الكهرباء من خلال نمو موارد الطاقة المتجددة الأكثر إستدامة والأكثر فعالية من حيث التكاليف.
تضاؤل الطاقة الكهرومائية
ظهرت الطاقة الكهرومائية كبديل متجدد في إيران في خمسينات القرن الفائت. الجمهورية الإسلامية، على عكس معظم دول الشرق الأوسط، هي موطن لشبكة واسعة من الأنهار التي سمحت للبلاد التعجيل بإنشاء بنيتها التحتية المائية حتى أوائل العقد الفائت. لكن إنتشار الجفاف أخيراً قلّص إلى حد كبير قدرة طهران الكهرومائية.
بعدما بلغت مساهمتها سابقاً نسبة 14 في المئة من إمدادات حمل الطاقة الأساسي في إيران، فإن مصادر الطاقة الكهرومائية قد إنخفضت إلى أقل من 5 في المئة، مع إستمرار إنخفاض مستوى منسوب مياه الأنهار. ونتيجة لذلك، صرح نائب رئيس “تافانير” أخيراً بأن تقريباً “كل محطات الطاقة الكهرومائية الخمسين في البلاد قد توقفت محركاتها أو رأينا بأن قدرتها قد تضاءلت”.
إمكانات إيران في مجال طاقة الرياح
مع قدرة مركّبة محتملة تبلغ 100 ألف ميغاواط، يمكن لإمكانات طاقة الرياح في إيران أن تنافس فعلياً البلدان التي تتمتع بطاقة رياح كبرى: مثل فرنسا وبريطانيا. ومما لا يثير الدهشة، أن الحكومة الإيرانية أعطت الأولوية لطاقة الرياح أكثر من غيرها من مصادر الطاقة المتجددة، وذلك نظراً إلى تضاريس البلاد وقدرات التصنيع والإنتاج القائمة.
ومن المتوقع أن تكون هناك زيادة 5000 ميغاواط من الطاقة الإنتاجية بفضل الطاقة المتجددة الجديدة بحلول العام 2018. حوالي 4500 ميغاواط من تلك الطاقة من المتوقع أن تأتي فعلياً من مزارع الرياح الواسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد. نظراً إلى موقعها الإستراتيجي على طول ممرات رياح عدة رئيسية، بما في ذلك تيارات المحيط الأطلسي، والبحر المتوسط ،والمحيط الهندي، فإن شمال غرب وشمال شرق إيران يتمتعان برياح عالية على مدار السنة.
إن الاتساق النسبي لهذه التيارات الهوائية يسمح للوصول المُستدام إلى طاقة الرياح التي تخفّض بشكل كبير الحاجة إلى الإلتزام بمولّد حراري عالي الطاقة لتوليد الطاقة اليومية.
الواقع أن إيران في موقع جيد للإسراع بتعزيز قطاع طاقة الرياح فيها. فهناك حالياً في البلد 15 مزرعة رياح، وقد أُنتجت الغالبية العظمى من المكونات المستخدمة في تطوير هذه المزارع محلياً. وبسبب تأثير العقوبات الغربية، فقد عمدت البلاد إلى إستخدام رأس المال البشري الوفير لديها في تطوير القدرات التكنولوجية في التوربينات، والمولّدات، وإنتاج العاكس، وحتى أنها وضعت في الإعتبار تصدير هذه المعدّات إلى أذربيجان والهند.
من ناحية أخرى، تعمل القوة العاملة لصالح إيران: حوالي 60 في المئة من الإيرانيين هم تحت سن ال30، وهم نسبياً متعلِّمون تعليماً جيداً. وفقاً لبيانات نُشرت في مؤشر رأس المال البشري للمنتدى الإقتصادي العالمي في العام 2015 ونشرتها مجلة “فوربس”، فإن إيران تُخرّج مهندسين أكثر من أي بلد آخر شمله الإستطلاع بإستثناء روسيا والولايات المتحدة. هذه الفوائد، إلى جانب وجود ضمان لشراء الطاقة من الحكومة الايرانية على مدى 20 عاماً، كان لها تأثير فعلي في إثارة إهتمام كبير بين الشركات الأجنبية. في أيلول (سبتمبر) 2015، على سبيل المثال، توصلت الشركة الألمانية – الإيرانية المشتركة “جي آي أوموَلت كانسيل” إلى إتفاق مع حكومة إيران لبناء مزرعة رياح تبلغ قدرتها 48 ميغاواط في محافظة إيرانية جنوب غرب خوزستان بقيمة 46 مليون دولار. وبعد زيارة قام بها وفد من السياسيين ورجال الاعمال الدانماركيين إلى إيران في كانون الثاني (يناير) 2016، أعلن وزير الطاقة الإيراني حميد جيت جيان أيضاً أن الدانمارك سوف تقوم ببناء منشأة توربينات للرياح في الجمهورية الإسلامية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.